4 ملايين أضحية سنويًا.. فهل تهدر مصر ذهبها الجلد؟

مع كل عيد أضحى، تُذبح في مصر ملايين رؤوس الماشية، لكن خلف مشهد الأضاحي العامر بالمشاعر، هناك قصة صامتة عن “الذهب المهدر”.. الجلود.
في كل عام، يتجاوز عدد الأضاحي التي تذبحها مصر حاجز 4.2 مليون رأس ماشية، لكن المفاجأة التي تكشف عنها الأرقام الرسمية أن نحو 40% من الجلود تُهدر ولا تدخل دائرة الإنتاج الصناعي، وسط أزمة مركّبة تبدأ من الذبح العشوائي وتنتهي عند تراجع الطلب العالمي على صادرات الجلود.
وبحسب مصادر في قطاع الصناعة، فإن نحو ربع الذبائح السنوية تتم خلال موسم عيد الأضحى فقط، أي أن قرابة مليون رأس تُذبح خلال أيام معدودة، ومعها يُولد ضغط كبير على المدابغ، بعضها لا يستفيد من الجلود، والآخر يغرق في فائض يقلل من الأسعار.
جلود تُذبح مرتين
الجلود، وهي منتج ثمين في العادة، تتعرض في مصر لذبح ثانٍ بفعل ممارسات غير مدروسة، على رأسها الذبح خارج المجازر الرسمية. رئيس مدبغة “الفرسان”، أحمد فارس، قال إن الجودة الرديئة للجلود تعود أساسًا إلى “غياب القصّابين المدربين على السلخ”، فضلًا عن التخزين السيئ الذي يُنتج جلودًا معطوبة بالعفن.
وبلغة الأرقام، فإن فقط 2.9 مليون جلد تم تسجيلها في المجازر الرسمية خلال عام 2023، بينما أُهدر الباقي، وهي فجوة لا يمكن تجاهلها في بلد يستورد جلودًا مدبوغة بقيمة تصل إلى 40 مليون دولار سنويًا لتعويض الفاقد، رغم امتلاكه ثروة حيوانية هائلة.
الصكوك تُنقذ ما يمكن إنقاذه
في المقابل، تُشكّل “صكوك الأضاحي” طوق نجاة حقيقي لصناعة الجلود، إذ تلجأ الجمعيات الكبرى إلى الذبح في مجازر رسمية وبطرق مدروسة. رئيس مدبغة “الرواد”، عبدالرحمن الجباس، قدّر أن نحو 40% من جلود موسم الأضحى باتت تأتي من هذه الصكوك، بينما يتوزع الباقي بين مجازر أهلية وذبح تقليدي في الأحياء والقرى.
ورغم أن صك الأضحية بات وسيلة اقتصادية للطبقة المتوسطة، مع بلوغ سعر الأضحية الواحدة هذا العام أكثر من 80 ألف جنيه مصري، إلا أنه يمنح المدابغ فرصة نادرة للحصول على جلود سليمة تصلح للصناعات الجلدية.
صناعة تصرخ من الداخل
تراجع الإنتاج المحلي من الثروة الحيوانية في مصر منذ عام 2018، وانعكس هذا في تناقص أعداد الذبائح سنويًا، من 6.2 مليون رأس قبل عشر سنوات إلى 4.2 مليون فقط بنهاية 2023، ما دفع كثيرًا من المدابغ إلى الاستيراد أو خفض الطاقة التشغيلية.
ويؤكد فارس أن غياب الرقابة على قرارات حظر ذبح الإناث أو الرؤوس صغيرة العمر يضاعف الأزمة، لأن هذه الممارسات تقلص فرص التسمين والإنتاج المستقبلي، وتضر بمستوى جودة الجلود.
من جهته، قال أحمد جباس، عضو غرفة صناعة الجلود، إن الجلود غير القابلة للدبغ تُستخدم في صناعات بديلة، أبرزها الجيلاتين الغذائي والدوائي.
الأسعار تنهار.. رغم العيد
مع دخول موسم الأضحى، من المفترض أن ترتفع أسعار الجلود، لكن الواقع معكوس. أسعار الجلد الواحد تتراوح حاليًا بين 400 إلى 500 جنيه فقط، بعد أن فقدت قرابة 20% من قيمتها خلال أسابيع، نتيجة لتراجع الطلب الدولي، لا سيما من الصين، بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
ويوضح حمدي أبو السعود، رئيس مدابغ “أولاد أبو السعود”، أن ما يتم إنتاجه في أيام العيد يعادل إنتاج 75 يومًا عاديًا، ما يعني أن السوق يغرق فجأة في وفرة تؤدي إلى انخفاض الأسعار.
الروبيكي.. أمل رغم العثرات
ورغم هذه التحديات، تحافظ الجلود المصرية على سمعة جيدة عالميًا، خاصة مع تشغيل مدينة “الروبيكي” كمركز متطور لدباغة الجلود. وتُصدر مصر جلودها إلى أسواق مثل تركيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وتايلاند، وفيتنام.
وفي الربع الأول من العام الجاري وحده، بلغت صادرات الجلود المدبوغة نحو 12.7 مليون دولار، ما يمثل 55% من إجمالي صادرات القطاع، بحسب المجلس التصديري للجلود.
لكن ما لم يُعالج أصل المشكلة في الذبح العشوائي، وتُفعّل قرارات تنظيم الذبح والتربية والرقابة، ستظل مصر تهدر سنويًا ثروة من الجلود.. تُذبح على يد الإهمال.