الشيخ عبد العزيز الكرعاني ويكيبيديا (القارئ المغربي)

من هو الشيخ عبد العزيز الكرعاني ويكيبيديا؛ القارئ المغربي، الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم، السبت 31 مايو 2025 / ٤ ذو الحجة ١٤٤٦ هـ.

برحيل الشيخ عبد العزيز الكرعاني، القارئ المغربي المبدع وإمام مسجد القاضي عياض بمدينة الدار البيضاء، طُويت صفحة مشرقة من صفحات العطاء القرآني في المغرب، وافتقدت الساحة الدينية صوتًا شجيًا نادرًا، وأداءً خاشعًا متقنًا ظلّ ملازمًا لآذان محبيه في المساجد والمجالس والمحافل الرمضانية طيلة سنوات.

الشيخ عبد العزيز الكرعاني ويكيبيديا

ولد الشيخ عبد العزيز الكرعاني في مدينة الدار البيضاء، وهناك نشأ وترعرع في كنف أسرة مغربية محافظة، أودعته مبكرًا رحاب القرآن الكريم، حيث التحق بالكتاب وهو في الخامسة من عمره، في تقليد مغربي أصيل يسبق التعليم النظامي، فكان له أن ينشأ على هدي الذكر الحكيم، ودفء اللوح الخشبي الذي يحفظ فيه الأطفال الآيات بخط اليد. وقد حفظ أولى أجزاء المصحف الشريف على يد خاله، الذي كان من رجالات التعليم القرآني في منطقته، وقد أفنى حياته في تحفيظ الناشئة، فكان له أثر بالغ في تكوين شخصيته.

قال الشيخ الكرعاني في أحد اللقاءات التليفزيونية: «بلغت الخامسة من العمر وقد أرسلني والدي إلى الكتاب، وكانت عادتنا أن ندخل للكتاب قبل الدراسة النظامية، وكان والداي مسرورَين بوجودي هناك، لحفظ القرآن الكريم على يد خالي الذي كرّس حياته لتحفيظ الصغار، رحمه الله، وقد حفظت عليه جزءًا لا بأس به من القرآن الكريم بطريقة اللوح المعروفة في المغرب».

بدأت رحلة الكرعاني مع الإمامة مبكرًا، حين تولى الإمامة لأول مرة بمسجد خاله، الذي كان شاهدًا على بداياته في الحفظ، قبل أن ينتقل إلى مسجد التوبة في ذات الحي، حيث أمّ الناس فيه لما يقارب خمس سنوات، ثم انتقل إلى مسجد التيسير بحي سيدي معروف، حيث قضى ثلاث سنوات أخرى في الإمامة، ومنها إلى مسجد السلام، الذي تولى فيه الإمامة خلال شهور رمضان ما بين عامي 2003 و2006، وكان حضوره في تلك الليالي المباركة يطبع القلوب بالخشوع، ويأسر الأسماع بجمال صوته وتدبّره للآيات.

استقر به المقام أخيرًا في مسجد القاضي عياض بالدار البيضاء، الذي عُرف من خلاله على نطاق واسع داخل المغرب، وبرز فيه كأحد أبرز القرّاء الذين أخلصوا لتلاوة القرآن الكريم وتعليمه، حيث التف حوله المئات من المريدين والطلبة، وخرّج على يديه أجيالًا من الحافظين لكتاب الله، مستعينًا في ذلك بتمكنه الفقهي وإتقانه لعلم التجويد والروايات، خصوصًا رواية ورش عن نافع، المتداولة في بلاد المغرب.

ورغم تواضعه الجمّ، إلا أن الشيخ الكرعاني كان شخصية حاضرة في المشهد الديني المغربي، يُستدعى لحلقات الذكر والمحافل القرآنية، ويُشهد له بتأثيره الإيماني القوي في قلوب المستمعين، لما حباه الله به من صوت خاشع وأداء روحاني قلّ نظيره. كما كان مساهمًا نشطًا في التوعية المجتمعية، خصوصًا بين أوساط الشباب، حيث شارك في العديد من المبادرات الدعوية والتطوعية، وبعضها بالتعاون مع فعاليات رياضية وفنية، إيمانًا منه برسالة القرآن في الإصلاح الشامل.

وقد ظل الشيخ عبد العزيز الكرعاني صابرًا على ابتلاء المرض، بعد إصابته بمرض السرطان الذي أرهقه طويلاً، دون أن يغيّب صوته عن محبيه أو يثنيه عن أداء رسالته. حتى جاء صباح السبت 31 مايو 2025، ليرحل الشيخ إلى جوار ربه، مودعًا الدنيا على حال المحبة التي زرعها في القلوب، والتقدير الذي ناله من أهل القرآن ومحبيه داخل المغرب وخارجه.

نُقلت جنازته بعد صلاة الظهر من مسجده، مسجد القاضي عياض، إلى مقبرة سيدي مسعود، حيث وُوري جثمانه الطاهر في مشهد مهيب، حضره تلامذته ومحبيه وأبناء حيه، الذين توافدوا لتوديع صوت القرآن الذي رافقهم لسنوات.

مشاهد من جنازته:

وبرحيله، خسر المغرب أحد أعمدة التلاوة ورواد الإمامة، ورمزًا من رموز الوفاء لكتاب الله، لكن أثره باقٍ ما بقي صوت يتلو القرآن، وطالب علم ينهل من هديه، ومسجد يُرفع فيه الأذان وتقام فيه الصلاة. رحم الله الشيخ عبد العزيز الكرعاني، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن كتابه ودينه وأمته خير الجزاء.