قصة تركي حميدان التركي وسبب سجنه

بعد سنوات من الجدل القضائي والمدّ الإعلامي والنقاش المجتمعي الواسع، أسدل الستار أخيرًا على واحدة من أكثر القضايا إثارة في الذاكرة السعودية المعاصرة، بعدما أعلنت السلطات الأمريكية الإفراج عن المواطن السعودي حميدان التركي، ونقله إلى سجن تابع لدائرة الهجرة والجمارك تمهيدًا لترحيله إلى المملكة، بعد أن قضى ما يقارب العقدين خلف أسوار سجن ولاية كولورادو.
القرار الذي صدر فجرًا، وتداولته وسائل الإعلام السعودية والأمريكية باهتمام بالغ، جاء عقب مداولات مطولة استمرت ثلاثة أيام، تخللتها شهادات دفاعية من فريقه القانوني السابق، ومحاولة جديدة لإعادة تفسير وقائع تعود إلى أوائل الألفية، حينما ألقي القبض على التركي بتهم وُصفت حينها بأنها «انتهاك لحقوق الإنسان» تتعلق باحتجاز عاملته المنزلية داخل منزله بمدينة أرورا.
في تلك القضية التي تعود إلى عام 2006، وُجهت إلى التركي 11 تهمة جنائية بينها الاحتجاز القسري والإساءة الجسدية والنفسية، وهي التهم التي نفاها المتهم منذ اللحظة الأولى، مؤكدًا في مختلف مرافعاته القضائية أن القضية تحمل أبعادًا ثقافية ودينية لا يمكن عزلها عن السياق العام آنذاك، خاصة في ظل المناخ المتوتر الذي تلى هجمات 11 سبتمبر، وما تبعها من حملات تشويه طالت العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.
شاهد أيضًا..
كيف استقبلت اروى حميدان التركي خبر الإفراج عن والدها.. صور
اللافت أن الاتهامات لم تتوقف عند حدود ما قيل عن واقعة العامل المنزلي، إذ وُجهت له لاحقًا وهو داخل السجن اتهامات بالتورط في قضية مقتل مسؤول إصلاحيات ولاية كولورادو عام 2013، وهو ما نفاه التركي بشدة، مؤكدًا أنه مجرد استهداف جديد لشخص رفض الاعتراف بأي من التهم الموجهة إليه منذ البداية.
خلال السنوات الماضية، سعت عائلته بلا كلل لإعادة فتح الملف، مستندة إلى ثغرات قانونية، كان أبرزها ما تم تقديمه مؤخرًا من التماس قضائي يؤكد أن المحاكمة الأصلية شابها خلل جوهري في التمثيل القانوني، إذ أقر محاموه السابقون بأنهم لم يقدموا الدفاع الكافي لموكّلهم في مواجهة لائحة الاتهام. وهو ما دفع القضاء الأمريكي إلى إتاحة جلسة استماع جديدة، انتهت في النهاية إلى اتفاق ينص على إطلاق سراحه وترحيله إلى السعودية بدلًا من إعادة محاكمته، في ظل تعقيدات تتعلق بتقادم القضية واختفاء المدعية الإندونيسية.
عائلة حميدان التركي التي عاشت لعقدين كاملين على وقع الانتظار والدعاء والظهور الإعلامي المتكرر، تلقّت نبأ الإفراج عنه بفرح غامر ممزوج بالحذر، في انتظار لحظة الوصول المؤجل منذ أعوام. وكتب نجله تركي على منصة «إكس» أن الجلسة الأخيرة تضمنت شهادات قانونية هامة أُدلي بها من محامي الدفاع، مؤكدًا أن قرار الإفراج كان نتيجة جهود سنوات وتراكم نضال قانوني طويل.
ومع انتقال التركي إلى عهدة دائرة الهجرة، بات من المتوقع أن تستكمل إجراءات ترحيله إلى السعودية خلال أيام، ليطوي بذلك صفحة من أكثر الملفات القانونية حساسية في سجل السعوديين بالخارج، وسط تساؤلات لا تزال مفتوحة بشأن الكواليس الخفية للقضية، والدوافع الحقيقية وراء إدانة امتدت لعشرين عامًا، ظلت خلالها رواية المتهم تصطدم بسقف الصمت الدولي وتجاهل بعض المؤسسات الحقوقية.
القضية التي فجّرت نقاشًا طويلًا حول العدالة، والتحيّز الثقافي، والخلل في التعامل مع القضايا ذات البعد العرقي والديني، تعود اليوم إلى نقطة البداية.. لكنها هذه المرة ليست أمام قوس المحكمة، بل على أبواب الوطن، حيث ستبدأ رحلة أخرى لرجل حمل على كتفيه سنوات من العزلة والسجن، وما زال يُصر على أنه كان ضحية سوء فهم لا أكثر.