الصين بين مطرقة مكافحة التدخين وسندان العوائد الاقتصادية الهائلة لصناعة التبغ

في مشهد يعكس مفارقة صارخة، تكافح الصين للحد من التدخين بحلول عام 2030، بينما تواصل الاعتماد على صناعة التبغ كأحد أعمدة اقتصادها المحلي، لا سيما في مدن مثل يوشي التابعة لمقاطعة يونان، حيث يشكل هذا القطاع العمود الفقري للزراعة والسياحة والدخل الفردي.
في يوشي، لا يقتصر دور التبغ على كونه محصولاً زراعياً فحسب، بل تحوّل إلى رافعة سياحية واقتصادية. فقد مثّل إنتاج السجائر نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمدينة في الربع الأول من عام 2022، بحسب بيانات رسمية.
المزارعون مثل “لي” يؤكدون أن عائدات التبغ تساعدهم على تأمين متطلبات الحياة الأساسية، حيث تحقق أسرتها سنويًا ما يصل إلى 60 ألف يوان، وهو دخل يتفوق على المحاصيل الزراعية الأخرى. كما أصبح مصنع “هونغتا” الشهير للسجائر – التابع لشركة “تشاينا توباكو” المملوكة للدولة – وجهة سياحية بحد ذاته، يجتذب الزوار الراغبين في استكشاف أسرار تصنيع إحدى أكثر ماركات التبغ شعبية في الصين.
رغم أن الصين تُعَدّ أكبر منتج ومستهلك للتبغ عالميًا، حيث يتجاوز عدد المدخنين فيها 300 مليون شخص، إلا أنها تسعى إلى خفض هذه النسبة من 25% إلى 20% بحلول عام 2030. ورغم تشديد القيود في المدن الكبرى، ما يزال التدخين شائعًا في المقاهي والفنادق والمناطق الريفية.
لكن هذه الجهود تصطدم بمصالح اقتصادية ضخمة، إذ حققت صناعة التبغ عام 2023 أرباحًا وإيرادات ضريبية بلغت 1.6 تريليون يوان (221 مليار دولار). ويعزز هذا التضارب الاتهامات الموجهة للإدارة الوطنية لاحتكار التبغ، بأنها مجرد واجهة تنظيمية لشركة “تشاينا توباكو”، التي تسيطر فعليًا على كل مراحل إنتاج وتوزيع التبغ داخل البلاد.
دراسة صينية حديثة أظهرت أن التكلفة الصحية والاجتماعية للتدخين في الصين تجاوزت 2.43 تريليون يوان (335 مليار دولار) في عام 2020، أي ما يفوق العوائد الاقتصادية للقطاع بنحو مرة ونصف. في هذا السياق، ترى خبيرة الصحة العامة تشينغ هوا نيان أن “تشديد السياسات الرقابية لن يؤدي بالضرورة إلى تدمير الاقتصاد، بل يمكن أن يقلل انتشار التدخين دون أضرار كبيرة على الإيرادات الحكومية”.
رغم محاولات تقليص الاعتماد المحلي على التبغ، تواصل شركات التبغ الصينية التوسع في الأسواق الخارجية. فقد تجاوزت صادرات الصين من السجائر 9 مليارات دولار في 2023، مقارنة بأقل من 1.5 مليار دولار قبل خمس سنوات فقط، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وفي المقابل، يبدو أن جيل الشباب بدأ بالابتعاد عن هذه العادة، وفق ما يرويه مواطنون مثل “دونغ”، الذي أكد أن أبناءه وأحفاده لم يقتربوا من التدخين مطلقًا، معتبراً أن “خفض الاستهلاك هو الأفضل”.
رغم كل هذه المبادرات، فإن تقليص استهلاك التبغ في الصين لا يزال معركة معقدة تحتاج إلى توازن دقيق بين الضرورات الصحية والمصالح الاقتصادية. ومع أن القطاع ما زال يشكل مصدر دخل رئيسي لملايين الأسر، فإن التكلفة الباهظة على صحة المجتمع قد تُرغم بكين عاجلًا أو آجلًا على اتخاذ قرارات أكثر جرأة.