من هو الشاعر بلقاسم عبد اللطيف الذي توفى اليوم؟

فقدت الساحة الثقافية التونسية أحد أبرز رموز الشعر الشعبي، برحيل الشاعر البدوي بلقاسم عبد اللطيف، الذي وافته المنية يوم الخميس 20 مارس 2025 عن عمر ناهز السبعين عامًا.
الراحل الذي ولد في معتمدية دوز بولاية قبلي، كان من الأسماء اللامعة في المشهد الأدبي الشعبي، حيث رسم بكلماته لوحة تعكس روح الصحراء وعراقة الواحات، مقدمًا إرثًا شعريًا غنياً سيظل خالدًا في الذاكرة التونسية والعربية.
قلم الصحراء وصوتها العميق
عُرف بلقاسم عبد اللطيف بأسلوبه التعبيري الفريد في إلقاء الشعر الشعبي، حيث استطاع أن يجسد معاناة الإنسان الصحراوي وأحلامه وآماله في أبياته.
وقدم العديد من القصائد المميزة، أبرزها «طبة»، «ما قراناش الطب»، و«يا صحرتي جيتك جلبني شوقي»، وهي نصوص تتغلغل في عمق الوجدان وتحمل طابعًا وجدانيًا أصيلًا.
وكان صوته، وهو يروي قصائده، يحمل نبض الأرض، وكأن الصحراء تتحدث على لسانه، تعبر عن شموخها وشجنها في آنٍ واحد.

رائد في الثقافة والتراث الشعبي
لم يكن الفقيد مجرد شاعر، بل كان شخصية ثقافية متكاملة، حيث شغل منصب رئيس المكتب الجهوي للاتحاد التونسي للشعراء الشعبيين ومؤلفي الأغاني بقبلي.
كما ساهم في إثراء المشهد الأدبي من خلال مشاركاته في العديد من المهرجانات المحلية والمغاربية، وعلى رأسها المهرجان الدولي للصحراء بدوز، حيث كان أحد أبرز الوجوه التي أضفت على المهرجان طابعًا شعريًا متميزًا.
إلى جانب إبداعه الشعري، كان الراحل جزءًا لا يتجزأ من الجهود الرامية للحفاظ على التراث التونسي، إذ لعب دورًا أساسيًا في تأسيس متحف الصحراء بدوز،
حيث ساهم بعمق معرفته ببيئته الصحراوية في بلورة البرنامج العلمي للمتحف، واقتناء مجموعة كبيرة من القطع الإثنوغرافية التي تحكي تاريخ المنطقة وثقافتها.
إشعاع يتجاوز حدود الوطن
كان بلقاسم عبد اللطيف أكثر من مجرد شاعر، فقد كان مثقفًا وإنسانًا اجتماعيًا بامتياز، ترك بصمته في كل من عرفه، سواء عبر أشعاره أو من خلال برامجه الإذاعية، حيث قدم وأنتج عدة برامج في إذاعة قفصة، من بينها «الخيمة» و«التشنشينة»، التي كانت تضفي على ليالي رمضان لمسة خاصة من الأدب والتراث الشعبي.
لم يكن مجرد شاعر ينظم القوافي، بل كان أبًا روحياً للكثيرين، مرشدًا وداعمًا للأجيال الشابة، يفتح لهم الأبواب ويقدم لهم خبرته بسخاء.
ولم يكن مجرد فرد في مجتمعه، بل كان روحًا تضيء المشهد الثقافي، وركيزة أساسية في الحفاظ على الموروث التونسي الأصيل.
وداعًا.. لكنك ستبقى حاضرًا في الذاكرة
رحل بلقاسم عبد اللطيف، لكن صوته لا يزال يتردد في جنبات الصحراء، وفي أروقة المتاحف، وعلى موجات الأثير، وبين صفحات دواوينه. فقدته دوز اليوم كما فقدت قبله الفنان بلقاسم بوقنة، وكأن المدينة تفقد أحد أوتارها التي عزفت لسنوات ألحان التراث والموروث الشعبي.
لم يكن مجرد شاعر، بل كان ذاكرة، تاريخًا متحركًا، إنسانًا من طراز نادر. واليوم، وهو يغادر الدنيا في شهر رمضان، وفي يوم الخميس، فإن رحيله يحمل دلالة الرحيل الهادئ، كما لو أنه يمضي في رحلة جديدة حيث تظل روحه محلقة في سماء الصحراء التي عشقها، وبين نخل دوز الذي ظل رمزًا لشموخه.