ذكرى 25 يناير.. ثورة شعب غيّرت مسار تاريخ مصر الحديث

في مثل هذا اليوم، 25 يناير 2011، بدأ مشهد جديد في تاريخ مصر الحديث، مشهد مليء بالأمل والحلم والتحدي، حين اجتمع ملايين المصريين في الشوارع ليصنعوا ثورة غيرت وجه الوطن، عام بعد عام، تتجدد الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير، تلك الثورة التي اشتعلت بسبب أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية عصفت بالمواطن البسيط، وأثارت غضب الشباب الذين ضاقوا ذرعاً بالظروف الصعبة، عُرفت الثورة بأنها ثورة الكرامة والمطالبة بالتغيير، ولم تكن مجرد تظاهرات عابرة، بل كانت الشرارة التي أشعلت الأمل في قلوب الملايين، واستفاق بعدها الشعب المصري ليحلم بمستقبل أفضل.
البداية.. الأزمات التي فجرت الغضب
قبل أن تنطلق ثورة يناير، كانت مصر تمر بفترات عصيبة لا تُحسد عليها، فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، وارتفعت معدلات البطالة والفقر، بينما كان الفساد يتغلغل في جميع مؤسسات الدولة، تراكمت المشاكل، من فساد الحكومات إلى قمع الحريات وغياب العدالة الاجتماعية، كانت الناس ترى كيف تتسارع الأمواج من حولها بينما هي لا تستطيع الحصول على حقوقها الأساسية في الحياة، ثم جاء يوم 25 يناير 2011، ليكون نقطة التحول، يوم خرج فيه المواطنون، شبابًا وكبارًا، متحدين تحت شعار “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، مطالبين بحقوقهم في دولة أكثر عدلاً وأكثر شفافية.

أحداث الثورة.. مسار سريع نحو التغيير
بدأت الأحداث في ميدان التحرير، حيث انطلقت التظاهرات من هناك لتعم كافة أنحاء البلاد، يوم 25 يناير، كانت البداية فقط، لكن اليوم الذي لاقى صدىً واسعًا في مصر كان 28 يناير، أو “جمعة الغضب”، حين تحولت الاحتجاجات إلى مواجهة مباشرة مع النظام، وخرجت قوات الأمن لتواجه الحشود، لكن عزيمة المتظاهرين كانت أكبر، استخدم النظام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي في محاولة لتفريقهم، ولكن عزيمة الشعب كانت لا تُقهر، واضطرت الشرطة للتراجع، على الرغم من الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد، كان الجيش هو الذي جلب الأمل، بعدما انضم إلى الشعب، وأظهر تأييدًا غير معلن له.
بعد أيام من الثورة، وتحديدًا في 11 فبراير، جاء الإعلان الصادم، حيث أعلن نائب الرئيس عمر سليمان عن تنحي الرئيس حسني مبارك، لينتهي بذلك حكم استمر ثلاثين عاماً، وتسلم الجيش مقاليد الأمور، كانت لحظة فاصلة في تاريخ مصر، حيث تحققت المطالب الشعبية بإسقاط النظام، وكانت بداية فصل جديد في مسار البلاد.
ما بعد الثورة.. آمال مع تحديات
وبعد إسقاط النظام، بدأت المرحلة الانتقالية، التي حملت الكثير من الآمال والتحديات في نفس الوقت، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد، إلا أنه واجه انتقادات من قبل الثوار الذين شعروا أن التغيير لم يكن سريعًا بما فيه الكفاية، كذلك، كانت انتخابات 2011 و2012 أول تجربة حقيقية للديمقراطية في مصر، فانتُخب محمد مرسي في 2012 ليكون أول رئيس مدني منتخب، وهو ما مثل خطوة مهمة نحو استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية، لكن التوترات السياسية استمرت، خاصة بين التيارات الإسلامية والليبرالية، ما أثر على استقرار الوضع السياسي في البلاد.
التداعيات والتغيرات:
منذ عام 2013، وبعد عزل الرئيس محمد مرسي، تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وجاء معه مرحلة من الاستقرار النسبي على المستوى الأمني، لكن هذا الاستقرار كان يحمل تحدياته الخاصة، حيث ارتفع الضغط على الحريات السياسية، وصار هناك قيود أكبر على المعارضة، على الصعيد الاقتصادي، كانت الحكومة مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة مثل تحرير سعر الصرف وزيادة الدعم الدولي، وهو ما أثر سلباً على الطبقات المتوسطة والفقيرة، إلا أن تلك الإصلاحات كانت ضرورة لمستقبل مصر الاقتصادي، أما من الناحية الاجتماعية، فقد استمرت مشكلة الفقر والبطالة، ما جعل الشارع المصري يواصل المطالبة بتحسين أوضاعه المعيشية.
على الرغم من التحديات التي واجهت ثورة 25 يناير، فإنها تركت إرثاً لا يُنسى في ذاكرة الشعب المصري، فقد أظهرت الثورة قوة الشعب في مطالبته بحقوقه، وأكدت أن التغيير ممكن عندما يتوحد الجميع تحت راية الأمل، الثورة أكدت على أهمية الوحدة الوطنية والعمل المشترك من أجل تحقيق الأهداف، كما دعت إلى ضرورة معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لا يزال يعاني منها الشعب.
يظل 25 يناير هو يوم تأكيد إرادة الشعب المصري في صنع مستقبله، ورغم التغيرات التي شهدتها البلاد، تبقى رسالة الثورة حية في النفوس: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.