مجرد أنك تحزن على شهداء الوطن الأحرار وتقول كلمة حرة فى حقهم وهم راحلون هى صلاة جنازة عليهم
حديث الجمعة ..” الحزين ” بقلم: عادل صابر
هناك حديث مدهش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حديث لايذكره مشايخنا الأجلاّء كثيراً لإنشغالهم بقضايا كبيرة مثل ” فتوى الرجل الذى يتبوّل وهو واقف والتى اختلف فيها العلماء طويلا ، فمنهم من قال يجوز فى حالة الإستعجال أو السفر، ومنهم المتشددين الذى قالوا لابد أن يتبوّل وهو جالس !! ، وانشغالهم أيضا بالجماع فى نهار رمضان مع الزوجة أو مع غيرها، هل هو حلال أم حرام !! ، وابتلاع الريق فى رمضان هل يُفطِر الصائم أم يظل على صومه ؟!! وقَص الأظافر ليلا، وكنس البيت ليلاً، هل يجوز أم نترك البيت بزبالته المباركة حتى الصباح ؟! ودخول البيت بقدمك الشمال، وماذا تقول عندما ترتدى جلبابك الجديد، لو كان لديك جلباباً جديداً !!.
نعود الى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى يقول: ” زُر القبور تذَكَّر بها الآخرة ، واغسل الموتى فإن معالجة جسدٍ خاوٍ موعظة بليغة ، وصلِ على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة “.
هذا الحديث العظيم فى ظنى يعيد إلينا الأمل والتفاؤل ويدخلنا الجنة من أوسع أبوابها، وليس ذلك فحسب ولكن يجعل لك خاصية وعطاءً غير محدود عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وهو ان تكون من الذين يظلّهم الله بظلّه يوم لا ظِل إلا ظلّه !!.
وفى تقديرى ان هذا الحديث ايضا قد حدد لنا الهدف من زيارة القبور وهو أنها تذكّرنا بالآخرة فقط وليس لشئ آخر من الطقوس المبتدعة ، أما غسل الموتى فهو معالجة جسد خاوِ أى خال من الزيف ..الجسد فى حقيقته الأولى التى خلقها الله عليها مُسجَى أمامك على المغسلة ليعلن لك ذاته الطينية قبل نفخ الروح فيه ، وقبل ان يتلبّسه الشيطان والنفس والهوى، ليقول لك إغسلنى من بقايا الدنيا الفانية الكاذبة، فها أنا امامك الآن فارغ اليدين ولا أرجو إلا رحمة الكريم الغفور .
أما المقطع الأخير من حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، والذى أريد أن أعوِّل عليه كثيراً وهو الهدف من حديث اليوم، ” صلِ على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فإن الحزين فى ظل الله يوم القيامة ” !!.
وعبارة ” لعل ذلك يحزنك “هى أسلوب تمنى من رسول الله، بمعنى أن ربما تحزن ويكون لديك قلب إنسان وتشارك بقلبك بالحزن على الراحل، والحزن هو أدنى انواع المشاركة، فالرسول لم يقل لك إذهب وخذ بثأره لكن إحزن لموته ، هل هذا كثيرٌ عليك ؟! وحديث المصطفى يبيِّن لك شيئا آخر وهو أنه قد تصلى على الجنازة وأنت لست حزين، او ربما مبتهج بموت الراحل لأنك كنت تكرهه وهو حى، وما صلاتك عليه إلا نوعاً من المجاملة لأهل الفقيد، أواحتفالاً برحيله عن وجهك لأنه كان أفضل منك وكان وجوده يقهرك أيها الحقير!! .
لكن الصلاة على الميت قد تكون صلاة مجازية وهو شعورك بالحزن من أجل الراحل العظيم حتى لو كنت لا تعرفه، فمجرد شعورك بالحزن على أحرار الوطن هو صلاة، مجرد قِلّة حيلتك على المشاركة هى صلاة عليه .. مجرد أنك تحزن على شهداء الوطن الأحرار وتقول كلمة حرة فى حقهم وهم راحلون هى صلاة جنازة عليهم ، وبحزنك النبيل هذا على الراحلين فى المساء، المودّعين أطفالهم على أعتاب الديار فى سفرهم الأخير هو صلاة عليهم، مجرد إحساسك النبيل الشفيف بالحزن سيظلك الله بظله يوم القيامة ، فاحزن من اجلهم ولا تخوض مع الخائضين، وكُن إنسان حزين، ولا تكُن حيوانٌ شامت !! فهذا الراحل العظيم أياً كان اسمه وتوجهه ووطنه لايمكن أن يكون خائن أو عميل، لأن الذى قتله هوعدوك وعدوه أيضاً ، فالعدو الذى يقتل أخيك الآن فى عام 2024 وهو نفس العدو الذى قتل أخيك فى 56 ، و 67 ، و73، هو نفسه العدو الأحمر الذى يكرهك ولن يحبك أبداً مهما قدمت له قرابين المحبة ، لأنه لايشبعه إلا قرابين الدم، هو لايريد منك مالك ولا مودتك ، ولا تطبيعك معه، هو يريد رأسك فقط .. فافهموا أيها الأغبياء ولا تشمتوا فى موت الأحرار الثائرين على الحرية والشرف ، وشاركوا فى رحيل الأحرار بالحزن النبيل حتى تكونوا فى ظل الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله .. يوم ينادى الله قائلا: لمن الملك اليوم !! فتجيب الملائكة : لله الواحد القهّار !!
واقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم، واقيموا صلاة الجنازة على كل أحرار الوطن .